الوسط - جعفر الجمري
عادت الذكريات أمس لأهالي قرية بني جمرة، وأولئك الذين تم اعتقالهم في عملية واحدة فقط في منتصف التسعينات، وذلك بعد قراءتهم ما ورد على لسان رئيس مجلس النواب خليفة الظهراني أمس الأول بشأن تعويض حوادث التسعينات.
عادت الذكريات لحادث يطلق عليه أهالي بني جمرة «حادثة اعتقال يحيى عياش». القصة حقيقية ومأسوية وبدأت في نهار يوم بارد في منتصف التسعينات... أحد الجمريين لديه صديق من أهالي قرية البديع، واعتاد الاثنان تناول الإفطار في مطعم هندي بالقرب من مركز الشرطة بقرية البديع... الجمري يحدث صديقه البديعي، ويقول له « الليلة بني جمرة عازمة على الخروج... البيارق والحدايد جهزت».
كانت تلك هي الكلمات التي التقطها أحد أفراد الشرطة ممن كان قريباً من الصديقين أثناء تناولهما الإفطار في ذلك المطعم...غير أن الشرطي لم يكن يعلم بأن ما قصده الجمري من الخروج في تلك الليلة، سوى خروج موكب عزاء بمناسبة وفاة أحد الأئمة (ع). وأن البيارق ما هي إلا الرايات السوداء والخضراء التي يرفعها المعزون، وأن «الحدايد» ما هي إلا أعمدة الحديد التي تستخدم لرفع وتحريك مكبرات الصوت أثناء السير بموكب العزاء.
لم يمر اليوم بسلام... فقد عاد الجمري الى منزله الساعة الثانية والنصف ظهراً، واذ بثماني سيارات من نوع «ديسكفري» تتوسطها سيارة مدنية من نوع «كريسيدا» تقف عند باب منزل ذلك الشاب الذي تم اخراجه من منزله وادخاله في سيارة الكريسيدا، بينما تقدمت المسيرة 4 سيارات ديسكفري، تأتي بعدها الكريسيدا و4 سيارت ديسكفري لضمان عدم هروب الشاب أثناء عملية الاعتقال.
أخذ الشاب الى مركز الخميس، وهناك وخلال ساعة واحدة من التعذيب اعترف على أكثر من 40 شخصاً من أهالي بني جمرة ممن كانوا سيشاركون في رفع البيارق و «الحدايد».
الساعة الخامسة عصرا، الناس في بني جمرة يسألون عن السبب لاعتقال الشاب بتلك الطريقة، وشبهوها بالطريقة التي كانت تطارد فيها آنذاك القوات الاسرائيلية القائد في حركة حماس يحيى عياش ما دفعهم الى اطلاق اسم «يحيى عياش» على الشاب. بينما الناس تتحدث عن هذا الأمر وإذ بمنافذ القرية تغلق من كل جانب... المزارع والساحات والأزقة والمقبرة تمتلأ بأعداد كبيرة جدا من قوات الأمن والكلاب البوليسية والدراجات النارية، وقامت فرقة هندسية خاصة بتركيب مولدات كهرباء استجلبت خصيصا لتنفيذ عملية كبيرة في بني جمرة من قبل قوات الأمن. نصّبت المولدات في المقبرة، وأوصلت بها كشافات عملاقة، لم ير الأهالي مثلها من قبل حجما وقوة بحيث أضاءت كل القرية في المساء وكأن الشمس لم تغب عن القرية في ذلك اليوم. القوات التي أحاطت بالقرية من كل جانب كانت لدى المسئولين عنها قوائم بالأسماء التي اعترف عليها الشاب أثناء ساعة من التحقيق والتعذيب في مركز الخميس. الأسماء كلها كانت لمن كان سيشارك في الموكب الديني الذي تحدث عنه الجمري مع صديقه البديعي صباح ذلك اليوم بصورة عفوية في مطعم هندي.
وهكذا بدأت حملة من الاعتقالات العشوائية الوحشية في تلك الليلة المرعبة... منازل عدة اقتحمت، بينما هاجمت قوة خاصة قائد الموكب أبو نبيل (محمد حسين علي) وتم اعتقاله وسحبه من منزله مع ابنيه نبيل وصادق... سحب الجميع بطريقة بشعة ولم يكن يعرف أحد السبب، واستمرت عملية اقتحام المنازل وجرجرة الكبار والصغار الى مركز الخميس طوال تلك الليلة الموحشة. وهناك وفي المركز قام أحد الضباط بقيادة عمليات التعذيب لسحب الاعتراف بشأن ما كان ينوي به أهالي بني جمرة في تلك الليلة. وهكذا قضى عدد ممن تم اعتقالهم شهورا عدة تحت التعذيب... هذا التعذيب الذي استمر حتى بعد أن علمت أجهزة الأمن بأن المقصود من الخروج في ذلك اليوم لم يكن سوى موكب عزاء ديني.
حادثة يحيى عياش عادت بكل ذكرياتها المؤلمة الى الكثير من أهالي بني جمرة أمس، ولم ينسوها على رغم مرور أكثر من 10 سنوات عليها... الأهالي الذين ذكّروا «الوسط» بهذه القصة توجهوا بسؤال الى رئيس مجلس النواب خليفة الظهراني: هل كانت هذه الحادثة من ضمن اقتراحك برغبة لتعويض المتضررين من حوادث التسعينات أم أن الحجر أهم من البشر؟.